● الفَوۡرُ وَ التَّراخِی
إِخۡتَلَفَتۡ کَلِمَةُ أَهۡلِ التَّحۡقِیۡقِ عَلیٰ صِیۡغَةِ إِفۡعَلۡ، هَلۡ تَدُلُّ عَلیٰ
الفَوۡرِ أَوِ التَّراخِی إِذا لَمۡ یَتَبَیَّنۡ واحِدٌ مِنَ الأَمۡرَیۡنِ؟
مِنۡهُمۡ قالُوا: عَلیٰ الفَوۡرِ، وَ مِنۡهُمۡ: عَلیٰ التَّراخِی، وَ بَعۡضٌ:
عَلیٰ نَحۡوِ الإِشۡتَراکِ، وَ قَوۡمُنا: رَفَضُوهُما مِنۡها مُطۡلَقاً.
وَ الحَقُّ هُوَ الأَخِیۡرُ، أَیِ: الرَّفۡضُ، لٰکِنۡ لَوۡ صَدَرَ مِنۡ غَیۡرِ اللهِ
یُفۡهَمُ الفَوۡرُ وَ الدَّلِیۡلُ الأَوَّلُ، ذَمُّ العُقلاءِ لِلۡعَبۡدِ عِنۡدَ عَدَمِ
التَّلَبُّسِ بِالفِعۡلِ بَعۡدَ دَسۡتُورِ المَوۡلیٰ مُباشَرَتاً، وَ الثّانِیُّ،
لِحُصُولِ مُؤَمِّنٍ، وَ لا یَصِحُّ تَرۡکُ المَأۡمُورِ بِهِ لِلۡتَراخِی بِمُجَرَّدِ
احۡتِمالِ أَنۡ یَکُونَ طَلَبُ المُوۡلیٰ عَلیٰ التَّراخِی.
وَ أَمّا لَوۡ کانَ المَوۡلیٰ اللهَ سُبۡحانَهُ وَ تَعالیٰ، فَیُفۡهَمُ مِنۡ طَلَبِهِ
جَوازُ التَّراخِی مَعَ أَوۡلَوِیَّةِ الفَوۡرِ مِنۡ شِدَّةِ رَحۡمَتِهِ بِالعِبادِ وَ
دَلِیۡلُنا الآیَتانِ:
قالَ اللهُ تَعالیٰ:وَ سارِعُوا إِلىٰ مَغۡفِرَةٍ مِنۡ رَبِّکُمۡ وَ جَنَّةٍ
عَرۡضُها السَّماوَاتُ وَ الأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِینَ،
وَ قالَ:وَ لَوۡ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَکُمۡ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلٰکِنۡ لِیَبۡلُوَکُمۡ
فِی ما آتَاکُمۡ فَاسۡتَبِقُوا الخَیۡرَاتِ.
إِسۡتَدَلَّ بِهٰذَیۡنِ الآیَتِیۡنِ السَّطۡحِیُّونَ لِلۡفَوۡرِ، وَ رَءاهُما
المُتَعَمِّقُونَ دَلِیۡلاًَ عَلیٰ جَوازِ التَّراخِی بِأَوۡلَوِیَّةِ الفَوۡرِ، فَسَنُبَیِّنُ
ذٰلِکَ.
نَعۡلَمُ بِالوُضُوحِ بِأَنَّ أَسۡبابَ المَغۡفِرَةِ لا تَنۡحَصِرُ بِالواجِباتِ إِذِ
المُسۡتَحَبّاتِ أَیۡضاً مِنۡ أَسۡبابِها، وَ کَذا فِی الخَیۡراتِ، وَ عَلَیۡهِ
لایُمۡکِنُ أَنۡ تَکُونَ المُسارِعَةُ وَ المُسابِقَةُ واجِبَتَیۡنِ لِأَنَّهُ لَوۡ قُلۡنا
کَذٰلِکَ لَصارَ المُسۡتَحَبُّ واجِباً.
فَمُرادُ اللهِ فِی هٰذَیۡنِ الآیَتَیۡنِ هُوَ التَّوۡصِیَّةُ بِالأَوۡلَوِیَّةِ، وَ
الأَوۡلَوِیَّةُ هُنا المُسارِعَةُ وَ المُسابِقَةُ فِی ما یُسَبِّبُ المَغۡفِرَةَ،
فَیَعۡنِی اللهُ فِیۡهِما: المُسارِعَةُ وَ المُسابِقَةُ ـ فِی إِصۡطِلاحِنا
الفَوۡرُـ أَوۡلیٰ لِلۡعِبادِ مِنۡ عَدَمِهِما وَ التَّراخِی، وَ هٰذا مَعۡناهُ أَنۡ
لا بَأۡسَ لَوۡ عَمَلَ العَبۡدُ فِی ما یُسَبِّبُ المَغۡفِرَةَ بِالتَّراخِی وَ تَرۡکُ
ما هُوَ أَوۡلیٰ، أَیِ: الفَوۡرُ.
قالَ اللهُ فِی هٰذَیۡنِ الآیَتَیۡنِ العَمَلُ بِالفَوۡرِ فِی ما یُسَبِّبُ
المَغۡفِرَةَ أَوۡلیٰ لَکُمۡ مِنَ التَّراخِی، وَ أَسۡبابُ المَغۡفِرَةِ کَما أَشَرۡنا
عَسیٰ أَنۡ تَکُونَ واجِبَةً وَ عَسیٰ أَنۡ تَکُونَ مُسۡتَحَبَّةً، وَ وَرَدَتۡ
فِی هٰذا المَضۡمُونِ رَوایاتٌ وَ أَحادِیۡثٌ کَثِیۡرٌ، وَ وَصَّتۡ لِلۡعَمَلِ
الصَّالِحِ بِالفَوۡرِ حَتَّیٰ لا یَکُونَ مَجالاً لِلۡوَسۡوَسَةِ.
وَ دَلِیۡلُنا عَلیٰ أَنَّهُ وَصَّیٰ بِالمُسارِعَةِ مِنۡ بابِ الأَوۡلَوِیَّةِ لا مِنۡ
بابِ الوُجُوبِ، هُوَ لِأَنَّهُ وَصَّیٰ بِالمُسۡتَحَبِّ إِضافَةً عَلیٰ ما
وَصَّیٰ بِالواجِبِ، وَ المُسارِعَةُ فِی المُسۡتَحَبِّ لا تَصِحُّ أَنۡ
تَکُونَ عَلیٰ نَحۡوِ الوُجُوبِ، کَیۡفَ وَ هُوَ یَجُوزُ تَرۡکُهُ رَأۡساً؟
فَتَبَتَ عَلیٰ نَحۡوِ الأَوۡلَوِیَّةِ لا مَناصَ.
فَأَوۡلَوِیَّةُ المُسارِعَةِ ـ الفَوۡرِـ وَرَدَتۡ عَلیٰ الواجِبِ لِأَنَّهُ قِسۡمٌ
مِنۡ قَوۡلِهِ: إِلیٰ مَغۡفِرَةٍ مِنۡ رَبِّکُمۡ، فَالفَوۡرِ وارِدٌ عَلیٰ الواجِبِ
عَلیٰ نَحۡوِ الأَوۡلَوِیَّةِ لا عَلیٰ نَحۡوِ اللُّزُومِ.